* الإنسان كائن حر:
خلق الله الإنسان كائنا حرا مريداً، واعطاه فرصة دائمة لاتخاذ القرار، دون إلغاء لمشيئته، بل في حرية كاملة، كان الله قادرا" ان يسلبها منه وما يزال. لكن إلهنا المحب لا يريد ان يكون اولاده وسكان ملكوته الابدى، مجرد دمى أو قطع شطرنج، بل يريدهم احرارا" في قراراتهم، صادقين في إختياراتهم، جاءوا إلى شركته عن اقتناع دون ضغط أو إرغام، وسلموا إرادتهم له في حي ورضى كامل. لهذا دعيت مشيئة الله " مرضية "، أي مقبولة بفرح كامل من جانب الإنسان.
* هل نلغى مشيئتنا؟
والإنسان في هذا المجال، لا يلغى مشيئته، أو يقرها او حتى يتحايل عليها ليصنع مشيئة الله عن خوف، ولكنه – بالعكس تماما – يجعل مشيئته ومشيئة الله شيئا واحدا، في رضى وقناعة وحب. إنها ليست " إستقالة إنسانية " ولكنها " تسليم واثق "... فهو لا يتنازل عن مشيئته وتفكيره وكل قدراته البشرية في روح المستسلم المقهور أو في روح المستقيل المرغم، ولكنه بالعكس، يوجد مشيئته بمشيئة الله، وفكره بفكر المسيح " اما نحن فلنا فكر المسيح " (1كو2: 16). "مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (2كو10: 5). حيث أسر الافكار البشرية هنا، يعنى الاقتناع بأنها كثيرا ما تنحرف " القلب اخدع من كل شىء، وهو بخيس من يعرفه؟ " (أر17: 9)، وكثيرا ما تكون خادعة " توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت " (أم14: 12) (اقرأ نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا)، وكثيرا ما تكون ناقصة " لا تكون حكيما في عينى نفسك " (أم3: 7)، " غريب أنا في الارض، فلا تخفي عنك وصاياك " (مز119: 19).
وهكذا يحس الإنسان بفرحة غامرة إذ يجعل مشيئته تتوافق مع مشيئة الله، الكلى الحكمة، والقدرة: " ما ابعد احكامه عن الفحص، وطرقه عن الاستقصاء، لان من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرا... يا لعمق غنى الله، وحكمته، وعلمه! " (رو11: 33، 34). لهذا قال الرسول: " ان كان احد يظن انه حكيم بينكم في هذا الدهر، فليصر جاهلا لكي يصير حكيما " (1كو3: 18). أي لابد ان يتخلى الإنسان عن حكمته البشرية المحدودة، ليقتنى حكمة الرب الالهية غير المحدودة.